كتب:م.مصطفى كامل الشريف
باحث ومستشار في أمن المعلومات و السيادة الرقمية
مقدمة
في الذكرى الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله قدس الله روحه الزكية، أستعرض في هذا المقال أبرز الثغرات الأمنية والاختراقات السيبرانية التي استُغلت ضد منظومة الحزب، ومهّدت الطريق أمام وحدة 8200 الإسرائيلية لتحديد مكانه واستهداف اجتماع قياداته.
بهذه العملية قد دخلنا حقبة الحروب الهجينة، حيث لم تعد الطائرات والصواريخ وحدها هي التي تحسم المعارك، بل انضمت إليها أسلحة من طبيعة مختلفة كالشيفرات والخوارزميات والرقاقات الإلكترونية الدقيقة – Electronic Chip ، والذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية، وعمليات الطيف الكهرومغناطيسي الهجومية كلها باتت اليوم أدوات حاسمة في ميدان الصراع.
إن عملية اغتيال السيد نصر الله في أيلول/سبتمبر 2024 لم تكن مجرد ضربة جوية معزولة، بل كانت تتويجًا لأكبر عملية اختراق أمني– سيبراني شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير من تفجير أجهزة النداء الجماعي، مرورًا باختراق سلسلة التوريد، وصولًا إلى توظيف الذكاء الاصطناعي وتجنيد عناصر من الداخل. هذه العملية أثبتت أن الأمن السيبراني لم يعد شأنًا تقنيًا أو تكميليًا، بل أصبح قراءة هذا الحدث اليوم تكشف كيف يمكن لهجوم إلكتروني متكامل أن يعيد رسم خرائط القوة ويبدّل موازين الردع في الشرق الأوسط بأسره.
المخطط الزمني لاهم الاحداث قبل عملية الأستهداف

ترجمة المخطط
الترجمة النصيّة للتسلسل الزمني من الصورة إلى العربية :
الاختراق الصامت
1–10 سبتمبر- التصنيع / ما قبل الإدراج
- أجهزة النداء المخترقة تُنشر داخل الوحدات المحلية
- 12–15 سبتمبرالتوزيع / التركيب
- حمولات تفعيل مخفية مُسلّحة داخل البرامج الثابتة (Firmware)
17–18 سبتمبر تفجيرات متزامنة وانقطاع الاتصالات
- انفجارات جماعية لأجهزة النداء والراديو البيجر – تعطّل اتصالات القيادة
18 سبتمبر 2024 تحديد المواقع عبر استخبارات الإشارات (SIGINT) وتنفيذ الضربة الجوية
- الإشارات تُدمج مع معلومات التهديد/الاستخبارات (CTI) – ضربة دقيقة على اجتماع استشهد فيه كوكبة من قادة الرضوان
التداعيات (سبتمبر–أكتوبر 2024)
- تحقيقات داخلية؛ اعتقالات وإعادة هيكلة
القسم التحليلي
من ثغرة اتصالات إلى تصفية القيادة
سبق استشهاد السيد نصر الله سلسلة عمليات اختراق غير مسبوقة لمنظومة اتصالات حزب الله. في 17–18 أيلول/سبتمبر 2024 دوّت انفجارات متزامنة في آلاف أجهزة النداء (pagers) ثم أجهزة اللاسلكي الموزّعة على عناصر الحزب، ما أسفر عن شهداء وآلاف الجرحى وصدمة أمنية شلّت قنوات القيادة والسيطرة. نسبت مصادر أمنية غربية العملية إلى اختراق سلسلة التوريد وتمكين التفجير عن بعد، فيما رجّحت مصادر لبنانية وقائع «تلغيم» أجهزة من طراز Gold Apollo قبل دخولها لبنان.
لي مقال سابق بعد عملية البيجر يشرح بالتفصيل كيف يتم أختراق سلاسل التوريد للأطلاع عليه أضغط على الرابط ادناه
اختراق سلاسل التوريد: صراع بين الاستخبارات و التكنولوجيا
من هي وحدة 8200؟
وحدة 8200 هي أكبر تشكيل استخباراتي في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتُشبَّه بالـNSA الأميركية تجمع إشارات (SIGINT)، تنفّذ هجمات/تدخّلات سيبرانية، وتعتمد تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي في الاستهداف. تقارير مرجعية ترسم صورتها كذراع جمع وتحليل وهجوم رقمي، ومورِّد دائم للقدرات في الحروب الهجينة.
كيف حصل الخرق الكبير؟
سيناريو تقني محتمل يتضمن
التوريد واللوجستيات: رَزْمَنَة أجهزة نداء مُلوّثة أثناء التصنيع/الشحن.
هندسة البرمجيات الثابتة: تبديل Firmware أو بروتوكول Paging للسماح بإشارات تفعيلية مخفية،
توقيت الضربة الاستخبارية: تعطيل بدائل الاتصالات وكشف مواقع القيادة ثم تنفيذ ضربة جوية دقيقة.
الخيانة من الداخل
أشارت تقارير إلى تحقيقات داخلية واسعة لحزب الله بعد التفجيرات، واستدعاء عشرات المشتبه بهم. السجل التاريخي للحزب يتضمن اعترافات سابقة باعتقال عناصر تجسّسوا لصالح إسرائيل، مما يعكس وجود حلقات داخلية قد تُسهِم في اختراقات سلسلة التوريد.
الدروس السيبرانية المستخلصة
أبرز الدروس: أهمية أمن سلسلة التوريد، تنويع قنوات الاتصال، الحد من الاحتفاظ بالبيانات الحساسة، فرض اختبارات اختراق حمراء مستقلة، واعتماد استراتيجيات تعمية Pattern-of-Life.
مقارنة تاريخية
مقارنة بين عمليةاغتيال الشهيد عماد مغنية 2008 وعمليةاغتيال الشهيد السيدحسن نصر الله 2024 . كلاهما مثالان على تكامل الاستخبارات التقليدية مع قدرات رقمية وسيبرانية متقدمة، ما يبرز تطور أدوات الاستهداف
استجابة حزب الله بعد 2024
حاول الحزب إعادة تنظيم هياكله، تشديد ضوابط الشراء والاتصالات، والانتقال ببعض النشاطات إلى أشكال عمل تحت الأرض، لكن الخسائر القيادية كان لها تأثير طويل الأمد
خلاصات عملية
تتضمن الخلاصة: فحوصات مستقلة للأجهزة، سياسات مناسبة لسلسلة التوريد، تطوير بروتوكولات فصل قنوات الاتصال، وتحديثات تشفير دورية مع إدارة مفاتيح آمنة
الخاتمة
إن استشهاد السيد نصر الله لم يكن حدثاً معزولاً، بل علامة فارقة على انتقال الصراع من الميدان التقليدي إلى ساحة هجينة حيث تتقاطع الأقمار الصناعية مع لوحات الدوائر الإلكترونية، وتلتحم الضربة الجوية بالاختراق البرمجي. لقد أثبتت وحدة 8200 ومعها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أن السيطرة على البنية السيبرانية للخصم قد تفتح الطريق إلى رأس قيادته. في المقابل، أظهر الحدث هشاشة الاعتقاد بأن التحصينات المادية كافية ما لم تقترن بتحصينات رقمية صارمة. الدرس الأوسع ليس لحزب الله وحده بل لجميع الفاعلين الدوليين أن الحرب القادمة لن تُحسم بالمدافع فقط، بل بالقدرة على حماية الشيفرات، وتأمين سلسلة التوريد، وتحصين الداخل ضدّ الخيانة والتلاعب السيبراني. . وهذا ما يستدعي من الحكومات العربية والإسلامية أن تُعيد النظر في استراتيجياتها السيبرانية بوصفها خط الدفاع الأول قبل السلاح التقليدي
المصادر
- رويترز – تغطية تفجيرات البيجرات والاغتيال 2024–2025 .
- أسوشيتد برس – متابعة ما بعد اغتيال نصر الله.
- هآرتس – مقالات تحليلية عن وحدة 8200.
- واشنطن بوست – استعراض عملية اغتيال عماد مغنية 2008.
- الجارديان / +972 – تقارير حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الاستخبارات الإسرائيلية.
- الجزيرة الإنجليزية – تقارير عن أثر الضربة على الاتصالات.
- الشرق الأوسط نسخة إنجليزية تقارير حول قضايا التجسس داخل بيئات حزب