بقلم: المهندس مصطفى كامل الشريف – خبير في الأمن السيبراني
المقدمة
في ظل الاعتماد المتزايد على تقنية البلوتوث في حياتنا اليومية، أصبح من الضروري دق ناقوس الخطر بشأن التهديدات السيبرانية المرتبطة بها.
هذه التقنية، التي تسهّل ربط الأجهزة الذكية ببعضها، أصبحت بوابة مفتوحة أمام المخترقين، نتيجة ثغراتها الأمنية الكامنة وسهولة استغلالها.
وفي زمن الرقمنة الشاملة، حيث تمتد التكنولوجيا من الهواتف والساعات الذكية إلى السيارات والأجهزة الطبية، تبرز الحاجة الملحة إلى رفع الوعي الرقمي بمخاطر أدوات نستخدمها بشكل يومي دون إدراك للعواقب… ومن أبرزها: البلوتوث.
كيف يتحوّل البلوتوث من ميزة إلى تهديد؟
رغم أن البلوتوث يُستخدم في مهام بسيطة مثل مشاركة الملفات، توصيل السماعات، أو تشغيل أنظمة السيارة، إلا أنه في خلف الكواليس قد يكون قناة خفية للهجوم الإلكتروني.
أبرز ما يجعله خطيرًا:
- يبقى مفعّلًا تلقائيًا على كثير من الأجهزة.
- يعمل على ترددات قصيرة يسهل التقاطها.
- غالبًا لا يطلب التوثيق إلا في حالات محدودة.
تخيل أن هاتفك الذكي، أو ساعة يدك، أو حتى نظام الصوت في سيارتك، يمكن أن يتحوّل إلى بوابة مفتوحة للمخترقين!
وفقًا لتقرير صدر عن شركة (NordVPN) السويدية حسبما أوضح ماريجوس بريديس، المدير التقني في الشركة. وقال بريديس: يكفي الضغط على زر واحد لتحويل الجهاز إلى وضع “قابل للاكتشاف”، ما يمكّن القراصنة من استغلال الثغرات الأمنية والتحايل على أنظمة الحماية، وقد يؤدي ذلك إلى تثبيت برمجيات خبيثة أو سرقة بيانات حساسةإن أجهزة البلوتوث قد تتعرض لما يصل إلى 10 محاولات اختراق يوميًا في الأماكن العامة، خاصة إذا كانت في وضع “قابل للاكتشاف .ووفقاً لتقرير 2024 IoT Security Landscape Report، فإن أجهزة البلوتوث المتصلة بالشبكات المنزلية تتعرّض في المتوسط إلى عشر هجمات يومياً، وأكثر الأجهزة عرضةً للهجوم تشمل الكاميرات الأمنية الذكية، وأقفال الأبواب، وأجهزة التلفاز.
وتحذّر الشركة أيضاً من أن نفس نقاط الضعف يمكن استغلالها في السيارات الشخصية، عبر أسلوب يُعرف باسم Car Whisperer، ما يتيح للقراصنة الوصول إلى أنظمة السيارة. وينصح الخبراء بتغيير رمز التعريف الشخصي (PIN) الافتراضي، الذي غالباً ما يكون بسيطاً مثل 0000 أو 1234.
أبرز أنواع الهجمات عبر البلوتوث:
1. Bluebugging
هجوم يتيح للمخترق السيطرة على جهازك بالكامل، بما في ذلك إجراء المكالمات، وقراءة الرسائل، دون أن تلاحظ أي نشاط غير طبيعي.
2. Bluesnarfing
يستهدف سرقة بيانات حساسة مثل الصور، البريد الإلكتروني، جداول الاتصال، والملاحظات، حتى من دون علم الضحية.
3. Car Whisperer
يستهدف أنظمة البلوتوث في السيارات، ويتيح التنصّت أو بث صوتي داخل النظام، وهو تهديد حقيقي للخصوصية والأمان أثناء القيادة.
4. Bluejacking
هجوم أقل خطورة، لكنه مزعج، حيث يُرسل المهاجم رسائل دعائية أو مزيفة إلى جهازك.
أين تكمن الخطورة الحقيقية؟
- معظم المستخدمين لا يدركون أنهم مخترقون.
- الهجمات تتم بصمت، ومن مسافات قصيرة (عادة أقل من 10 أمتار).
- البلوتوث لا يظهر إشعارات في حالة استغلال الثغرات.
- الأجهزة الذكية مثل الساعات والنظارات والسيارات تعتمد عليه بشكل دائم.
السيناريو الأخطر: الأجهزة الطبية
في السنوات الأخيرة، ازدادت الاعتمادية على الأجهزة الطبية الذكية، مثل مضخات الأنسولين، وأجهزة تنظيم ضربات القلب، المتصلة عبر البلوتوث.
وفي حالة استهدافها، يمكن أن تؤدي إلى مخاطر صحية حقيقية، بل حتى إلى الوفاة في بعض السيناريوهات.
لذلك، شددت عدة جهات صحية وأمنية (مثل FDA الأمريكية) على ضرورة تحديث برمجيات هذه الأجهزة باستمرار وتقييد اتصالاتها اللاسلكية.
توصيات لحماية نفسك:
- أوقف البلوتوث تمامًا عند عدم الحاجة.
- تأكد من تحديث نظام التشغيل والأمان لجهازك بانتظام.
- لا تقبل أي طلب اتصال من جهات غير معروفة.
- استخدم أجهزة موثوقة فقط، وتجنّب الإكسسوارات الرخيصة المجهولة المصدر.
- فعّل إعدادات “عدم قابلية الاكتشاف” (Non-discoverable mode) قدر الإمكان.
- للأطباء والمستشفيات: لا بد من اعتماد معايير تشفير متقدمة ومراقبة دائمة لأجهزة البلوتوث الطبية.
في الختام:
لقد آن الأوان لنغيّر عاداتنا الرقمية.
إيقاف البلوتوث عند عدم الحاجة، واختيار كلمات مرور قوية، وعدم قبول أي اتصال مجهول، ليست نصائح تقنية فحسب، بل خطوات أساسية للدفاع عن أنفسنا في عصر أصبحت فيه البيانات أثمن من الذهب.حماية خصوصيتك تبدأ بخطوة… والخطوة اليوم أن تعيد التفكير في “زر البلوتوث” على جهازك.