المقدمة
يمثل الأمن السيبراني حجر الزاوية في حماية الدول من التهديدات الرقمية المتزايدة في عالم يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا. في العراق، يُعد الأمن السيبراني تحديًا استراتيجيًا يتطلب اهتمامًا عاجلاً نظرًا لوجود فجوات كبيرة في التخطيط الاستراتيجي، التعليم المتخصص، والبنية التحتية. تواجه البلاد تحديات كبيرة تعيق تحقيق تقدم ملموس، ما يجعل من الضروري العمل على تطوير منهجية شاملة لمعالجة هذه الفجوات وتعزيز القدرات الوطنية.
تهدف هذه الدراسة التي أنشر نبذة مختصرة عنها كخطوط عريضة إلى تسليط الضوء على واقع الأمن السيبراني في العراق من خلال تشخيص الأخطاء والتحديات الحالية، بدءًا من غياب التخطيط الاستراتيجي، مرورًا بالقصور في التعليم والتدريب، وصولاً إلى ضعف البنية التحتية. كما تقدم الدراسة توصيات عملية ومحددة لرسم خارطة طريق شاملة لتحسين الوضع الراهن، مع التركيز على التعاون الدولي وبناء الوعي الوطني. من خلال هذه الدراسة، نأمل أن نضع أسسًا قوية تسهم في بناء عراق رقمي آمن ومزدهر.
1) غياب التخطيط الاستراتيجي
- العراق يفتقر إلى خطة استراتيجية واضحة المعالم لتطوير الأمن السيبراني، مما انعكس سلبًا على موقعه في المؤشرات الدولية.
- في عام 2004، كان ترتيب العراق 103 عالميًا في مؤشر الحكومات الإلكترونية للأمم المتحدة، إلا أنه في عام 2024 تراجع إلى المرتبة 148.
- في مؤشر الأمن السيبراني للأمم المتحدة لعام 2024، حصل العراق على درجة 53% فقط، وحقق تقدمًا محدودًا في محورين من أصل 5 محاور.
2) قصور في التدريب والتعليم
- تم استحداث أقسام دراسية في الأمن السيبراني بعد الدراسة المتوسطة، لكن:
- اعتمد المشروع على مدرسين غير متخصصين.
- اقتصرت تأهيلهم على دورات صيفية قصيرة لا تكفي لإعداد كوادر مؤهلة.
- تم إعداد منهاج سريع للمرحلة الأولى فقط، دون خطة شاملة تغطي الثلاث مراحل حسب ماتوفر لي من المعلومات من جهات رسمية.
- المحتوى التعليمي لم يكن متخصصًا في الأمن السيبراني، بل اقتصر على مواضيع عامة وسطحية في تكنولوجيا المعلومات.
- يبدولي أن الهدف الأساسي كان الترويج الإعلامي أكثر من تحقيق تقدم فعلي.
3) ضعف البنية التحتية والتنفيذ
- عدم وجود استثمار حقيقي في تطوير البنية التحتية للأمن السيبراني.
- غياب التشريعات واللوائح التنظيمية الفاعلة التي تُلزم المؤسسات بتطبيق معايير الأمن السيبراني.
- نقص في الكوادر المؤهلة لمواجهة التهديدات السيبرانية المتزايدة.
التحديات الرئيسية
- العمل الشلالي وعدم التنسيق:
- القرارات تُتخذ بصورة فردية دون استشارة الخبراء أو التنسيق مع الجهات ذات العلاقة.
- عدم وجود استراتيجية وطنية شاملة:
- لا توجد خطة واضحة تركز على تحقيق مستويات متقدمة في جميع محاور الأمن السيبراني.
- إهمال الكوادر المتخصصة:
- تجاهل أهمية وجود خبراء حقيقيين في تطوير التعليم والتدريب.
- إهمال الكفاءات المتخصصة في الخارج:
- تجاهل المتخصصين والخبراء حقيقيين في تطوير التعليم والتدريب الموجودين بالخارج وذلك من خلال تنظيم مؤتمرات لهم وشرط أن يكون المشارك له رؤيا وبصمة في مجاله ولا يتم دعوتهم على أساس محسوبية وعلاقات شخصية.
- ضعف الوعي العام:
- قلة الوعي بين المسؤولين وصناع القرار بأهمية الأمن السيبراني بشكله الحقيقي في بناء دولة حديثة بسبب ضعف المستشارين بهذا المجال مما يؤدي الى سوء التخطيط بشكل غير متعمد.
التوصيات
أولاً: إعداد خطة استراتيجية شاملة
- تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء محليين ودوليين لوضع استراتيجية شاملة للأمن السيبراني.
- تحديد أهداف قصيرة وطويلة المدى لتحسين ترتيب العراق في المؤشرات الدولية.
- التركيز على جميع محاور الأمن السيبراني الخمسة التي تشمل:
- الإطار القانوني.
- القدرات التقنية.
- بناء القدرات.
- التعاون.
- الوعي.
ثانيًا: إصلاح نظام التعليم والتدريب
- تأسيس أكاديمية على طراز عالمي لتدريب الكوادر ممن لديهم شهادات جامعية متخصصة فقط.
- إعداد مناهج شاملة تغطي جميع سنوات الدراسة الثانوية و الجامعية بتنسيق مع خبراء محليين وجامعات عالمية متخصصة.
- استقدام أساتذة متخصصين في الأمن السيبراني أو إرسال الكوادر المحلية للحصول على تدريبات متقدمة.
- دمج التعليم العملي مع النظري، بما يشمل محاكاة الهجمات السيبرانية وإعداد استراتيجيات دفاعية.
- اعتماد الشهادات العالمية المعترف بها مثل (CISSP, CEH, CompTIA Security+). لمن يعمل في هذا المجال في العراق
- رفع معدلات القبول لاختصاص الأمن السيبراني في الجامعات رفع معدلات القبول لاختصاص الأمن السيبراني الى 85/100 فما فوق لان الجامعات الأهلية في شروط قبولها تقبل معدل نسبته بالخمسينات. هذا كفر بمنهاج الأمن السيبراني المعقد الذي يحتاج الى طلاب مستواهم جيد جداً
ثالثًا: تعزيز البنية التحتية
- الاستثمار في تحديث البنية التحتية الرقمية لتكون أكثر أمانًا وفعالية.
- تطبيق معايير الأمن السيبراني في جميع المؤسسات الحكومية والخاصة.
- إنشاء مراكز متخصصة لرصد التهديدات السيبرانية والتصدي لها.
رابعًا: توعية المسؤولين والجمهور
- إطلاق حملات توعية لتعريف المسؤولين بأهمية الأمن السيبراني.
- تشجيع القطاع الخاص على تبني سياسات أمنية حديثة.
- تقديم ورش عمل للمؤسسات لتوضيح المخاطر السيبرانية وكيفية التصدي لها.
خامسًا: التعاون الدولي
- تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والدول المتقدمة كالاتحاد الأوربي ومنظمات الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الدولي للاتصالات وحلف الناتو للاستفادة من تجاربهم في الأمن السيبراني.
- الابتعاد عن المنظمات الإقليمية التي تتستر بغطاء دولي وهي بعيدة كل البعد عن العالمية.
- توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية لتقديم استشارات ودعم فني.
- الدخول في الاتفاقيات الدولية التي تخص الأمن السيبراني كاتفاقية بودابيست و اتفاقية جينيف وكل الاتفاقات المستقبلية التي تخص الأمن السيبراني و الذكاء الاصطناعي و اتفاقات تخص أي مجال من مجالات تكنلوجيا المعلومات الحديثة
خاتمة
إن تطوير منظومة الأمن السيبراني في العراق ليس خيارًا بل ضرورة حتمية لضمان حماية بياناتنا ومؤسساتنا من التهديدات السيبرانية المتزايدة. لذا، ندعو رئيس الوزراء إلى تبني هذه التوصيات والعمل على تطبيقها بشكل عاجل. إن بناء عراق رقمي آمن يبدأ بخطوات جادة في هذا المجال، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال التخطيط السليم، والاستثمار في الكوادر، وتحقيق التعاون المحلي والدولي.