قراءة في التكريمات الرمزية في ظل المؤشرات الدولية لأداء العراق الرقمي لعام 2024
بقلم: المهندس مصطفى كامل الشريف
مستشار في أمن المعلومات والشبكات
مقدمة
في مفارقة لافتة، أعلن مجلس سامينا للاتصالات(وهو جهة إقليمية غير رسمية)عن منح “جائزة الريادة التكنولوجية” في منتصف شهر أكتوبر من العام الماضي 2024 لمسؤول حكومي عراقي في قطاع الاتصالات. وجاء ذلك مصحوبًا بإشادة بـ”الجهود في التحول الرقمي”، وفق تعبير الجهة المانحة.
لكن هذا التكريم يثير تساؤلات مشروعة لدى أي متابع مختص بالشأن التكنولوجي العراقي، خاصة في ظل التراجع الملموس في أداء العراق الرقمي في نفس العام، كما تؤكده تقارير الأمم المتحدة لعام 2024.، خاصةً في ظل التراجع الملحوظ الذي تشهده البلاد على مستوى المؤشرات الدولية. فقد انخفض ترتيب العراق في مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI) الصادر عن الأمم المتحدة من المرتبة 143 في عام 2020 إلى المرتبة 148 في عام 2024، بحسب تقرير الأمم المتحدة حول الحكومة الإلكترونية لعام 2024، الذي سيتم الإشارة إليه في نهاية هذا المقال.
هذا التراجع يعكس غياب رؤية استراتيجية وطنية لتحسين البنية التحتية الرقمية، وضعف فعالية المشاريع التكنولوجية، فضلًا عن نقص كبير في الاستثمار في رأس المال البشري المؤهل تقنيًا.فهل من المنطقي، في ظل هذا التراجع، الحديث عن ريادة وتحول رقمي؟ وهل الجهة المانحة مؤهلة فعليًا لتقييم الأداء الرقمي الوطني، أم أننا أمام حلقة جديدة من حلقات التكريم الشكلي وشراء الشرعية عبر جوائز العلاقات العامة؟
أولاً: واقع التحول الرقمي في العراق: قراءة في المؤشرات:
يعتمد مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية (EGDI) الصادر عن الأمم المتحدة على ثلاثة محاور رئيسية:
- تنمية رأس المال البشري التكنولوجي
- الخدمات الإلكترونية الحكومية
- البنية التحتية الرقمية
تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن العراق لم يُحرز أي تقدم يُذكر في هذه المجالات. بل على العكس، تراجع العراق في التصنيف العالمي من المرتبة 143 عام 2020 إلى المرتبة 148 عام 2024. كما أن معظم الخدمات الحكومية ما زالت تقدم بطرق تقليدية، ويعاني المواطن من بطء شديد في التحول الإلكتروني، إضافة إلى نقص كبير في الكفاءات التقنية داخل مؤسسات الدولة.
ثانياً: ما هو مجلس سامينا؟ وما هي طبيعة جوائزه؟ :
مجلس سامينا للاتصالات هو كيان إقليمي غير ربحي مقره دبي، ويضم أعضاء من شركات اتصالات وهيئات تنظيمية في مناطق جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكنه لا يُعد هيئة معترف بها دوليًا مثل الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) التابع للأمم المتحدة، ولا يحظى باعتراف من هيئات الاتحاد الأوروبي أو منظمات التصنيف التكنولوجي العالمية مثل IEEE أو NIST.
أما الجوائز التي يقدمها، فغالبًا ما تكون مرتبطة بفعاليات تجارية أو مؤتمرات شكلية تفتقر إلى معايير دقيقة وشفافة، وغالبًا ما يتم منحها في سياقات دعائية أو بمقابل مادي غير مباشر، وهو ما يُعرف عالميًا بظاهرة “جوائز العلاقات العامة” أو “الجوائز مدفوعة الثمن” (Pay-to-Play Awards).
ثالثاً: جوائز “العلاقات العامة”: تلميع بلا مضمون:
تعتمد الكثير من المؤسسات التي تمنح جوائز وهمية على رغبة المسؤولين في الظهور الإعلامي وتحقيق منجزات صورية لركوب ترند وسائل التواصل الاجتماعي حتى يتمكن المسؤول من تسويقها داخليًا في بلده.
في بيئات تعاني من ضعف الشفافية والمحاسبة، تصبح مثل هذه الجوائز أداة لتضليل الرأي العام، وتعزيز مواقع أشخاص غير مؤهلين عبر شرعنة أدائهم بمسميات براقة.
وقد شهدت عدة دول عربية، مثل لبنان ومصر والأردن، تنظيم مؤتمرات غير رسمية تُمنح خلالها ألقاب من قبيل “أفضل وزير رقمي” أو “قائد التحول الرقمي العربي“، في فعاليات تفتقر إلى معايير علمية أو اعتراف دولي، ما يجعلها أقرب إلى أدوات علاقات عامة منها إلى منصات تقييم موضوعي.
رابعاً: النتائج الكارثية للتزييف المؤسسي :
إن منح جوائز زائفة في ظل تراجع فعلي على مستوى المؤشرات لا يضر فقط بصورة الدولة، بل يُعطل أي جهود إصلاحية حقيقية. فهو يخلق وهمًا بوجود منجزات، ويمنح غطاءً سياسيًا لسياسات فاشلة في تلك المؤسسة . الأخطر من ذلك أنه يُقصي الكفاءات الوطنية، ويُفقد الثقة بأي تقييم موضوعي لاحق.
الخاتمة
حين تُمنح الجوائز بناءً على علاقات عامة وليس على منجزات واقعية، تتحول مؤسسات الدولة إلى مسارح لتقديم عروض تضليلية، ويتحول التحول الرقمي من مشروع استراتيجي إلى ديكور إعلامي وتضليل الى الحكومة وكل من وضع الثقة بهذا المسؤول. هنا يجب أن تقع المسؤولية على المجتمع المدني والإعلام الحر للوقوف بوجه هذه الظواهر، وكشف زيف الإنجازات التي لا تنعكس على حياة المواطن ولا ترتقي بالخدمات العامة. بلدنا يستحق منجزات حقيقية لا منجزات وهمية تؤثر على سمعة البلد في المحافل العالمية.
استقالة بصمت… ورسالة من رئيس الحكومة بصوت عالٍ التحول الرقمي لا يُدار بالجوائز
إذا أراد العراق فعليًا تحقيق تحول رقمي حقيقي، فالبداية لا تكون بتمويه المشكلات أو تغليف الإخفاقات بجوائز شكلية، بل بالاعتراف الصريح بالتحديات، ومحاسبة من يروّج للمنجزات الوهمية. ويُحسب لرئيس الحكومة العراقية أنه اتخذ خطوة مسؤولة بقبول استقالة المسؤول المعني، وإنهاء تكليفه بطريقة تحفظ له كرامته، لكنها في الوقت ذاته ترسل رسالة واضحة لكل مسؤول في الدولة لا مكان للتمويه في مشروع بناء الدولة الرقمية. فالتحول الرقمي لا يُدار بمنطق العلاقات العامة، بل بخطط واقعية، وكفاءات تعرف الفرق بين الإعلان والإنجاز.
*حقيقة:
لا تُقاس نهضة الأمم بعدد الجوائز، بل بمدى قدرتها على تحويل التحديات إلى فرص، والخطط إلى منجزات تخدم المواطن.
بعض من مصادر الاحصائيات:
- تقرير مؤشر الحكومة الإلكترونية – الأمم المتحدة
https://publicadministration.un.org/egovkb - الموقع الرسمي لمجلس سامينا
https://www.samenacouncil.org