بقلم: المهندس مصطفى كامل الشريف
مستشار في أمن المعلومات والشبكات
المقدمة
في زمن تُباع فيه البيانات بثمن، لا تكن أنت السلعة.
مقالي هذا ليس مجرد استعراض تقني ولن يكون الأخير سوف أتبعه بسلسلة من المقالات تخص هذه المواضيع الخطيرة والحساسة، هذا المقال هو تحذير سيبراني جاد في خضم الطوفان المتسارع لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، التي تتسلل إلى حياتنا عبر أدوات ظاهرها الترفيه وباطنها التهديد. فقد اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا موجة من التطبيقات التي تُحوّل الصور الشخصية إلى رسومات كرتونية، يُقبل عليها الملايين بدافع المرح والمشاركة. إلا أن ما يبدو بريئًا ومسليًا على السطح، يخفي في طيّاته تهديدًا خفيًا لهويتنا الرقمية وخصوصيتنا الشخصية.
أثناء بحثي عن مصادر لإعداد كتابي القادم حول التحول الرقمي الشامل من الفكرة إلى التنفيذ، وقعتُ على تحقيق صحفي خطير نشرته صحيفة The New York Times عام 2020 بعنوان:
The Secretive Company That Might End Privacy as We Know It
بقلم الصحفية كشمير هيل.
أو الشركة السرية التي قد تنهي الخصوصية كما نعرفها
هذا المقال جعلني أربط أحداث نعيشها اليوم بتحويل الصور العادية الى صور كارتونية حيث كشف المقال عن تحقيق حول هذه الشركة الأمريكية التي تدعى Clearview AI قامت بجمع أكثر من 3 مليارات صورة من الإنترنت عبر تقنيات الزحف الإلكتروني في عام 2020 أما الآن 2025 يُذكر حسب مصادر صحفية إن لديها أكثر من 20 مليار صورة وجه لأشخاص من مختلف أنحاء العالم أي عدة صور لكل شخص دون أي إذن من أصحاب الصور، بهدف بناء خوارزميات ذكاء اصطناعي خارقة في التعرف على الوجوه. هذه التقنية، التي استُخدمت من قبل الشرطة والاستخبارات وحتى شركات خاصة، حولت الصور العادية إلى أدوات مراقبة واختراق خصوصي.تعرف على أنها شركة ليست تابعة للحكومة الأمريكية تأسست عام 2017 على يد Hoan Ton-That، وهو مبرمج أسترالي.(وليست تابعة لـFBI أو CIA بشكل رسمي أو مباشر).لكنها تعمل مع جهات إنفاذ القانون مثل:
وبعض الجهات الأمنية في دول أخرى (مثل كندا، أوكرانيا، وحتى بعض العملاء في الشرق الأوسط بحسب بعض التسريبات يعني الكيان للقيط).
يشير المقال إلى أن هذه الممارسات لا تمثل مجرد خرق للخصوصية، بل هي تمهيد لتحوّل خطير في شكل المراقبة، حيث أصبحت كل صورة تُنشر على الإنترنت عرضة للتحليل والاستخدام خارج سيطرة أصحابها، وهو ما دفع الخبراء لوصف ما يحدث بأنه (سلاح مراقبة شمولي بامتياز) .
واليوم، في عام 2025، ومع صعود موجات جديدة من تطبيقات (الترفيه المجاني) التي تُشجع المستخدمين على مشاركة صورهم المعدّلة دون إدراك للعواقب، بات من الضروري دق ناقوس الخطر. فليس هناك شيء مجاني فعليًا كل ما يُقدَّم مجانًا يحمل في طيّاته تكلفة غير منظورة… وغالبًا ما تكون هذه التكلفة هي معلوماتك أنت.لذلك سوف أخوض في ستة محاور في هذا المقال تحص هذا الموضوع وهي:
المحور الأول: كيف تعمل تطبيقات تحويل الصور؟
تعتمد هذه التطبيقات على خوارزميات التعلم العميق (Deep Learning) التي تقوم بتحليل ملامح الوجه وتحويلها إلى أشكال كرتونية ثنائية أو ثلاثية الأبعاد. غالبًا ما تُرسل هذه الصور إلى خوادم سحابية لمعالجتها، مما يعني أنها تخرج فعليًا من جهاز المستخدم وتصبح عرضة للتخزين، التحليل، وربما البيع لاحقًا. وغالبًا لا تُوضّح هذه التطبيقات مدة الاحتفاظ بالصور أو كيفية التعامل معها بعد المعالجة.
المحور الثاني: التزييف العميق ومخاطر سرقة الصور
من أخطر التهديدات المرتبطة بجمع الصور من تطبيقات الذكاء الاصطناعي هو استخدامها في تقنيات التزييف العميق (Deepfake). وهذه التقنية باتت اليوم قادرة على إنتاج مقاطع فيديو شديدة الواقعية، تجعل من الصعب التفريق بين الحقيقي والمزيف.
المخاطر المتوقعة:
- الأفلام والصور الإباحية المفبركة: تُستخدم الصور المسروقة، خصوصًا من حسابات النساء أو القُصّر، في توليد محتوى إباحي مزيف يُنسب زورًا لأشخاص حقيقيين. هذه الهجمات تُسبب دمارًا نفسيًا واجتماعيًا، خاصة في مجتمعات محافظة حيث الشرف والسمعة مسألتان وجوديتان.
- تزوير الوثائق وجوازات السفر: من خلال الصور عالية الجودة التي يجمعها الذكاء الاصطناعي، يمكن إنشاء جوازات سفر أو بطاقات هوية رقمية مزيفة تُستخدم في جرائم دولية، مثل الاحتيال أو حتى الإرهاب.
- الاستهداف السياسي والمجتمعي: يمكن تركيب فيديوهات مزيفة لمسؤولين أو شخصيات عامة بهدف تشويه السمعة أو إثارة الرأي العام.
- اختراق الأمن القومي: إذا تم استخدام صور مسؤولين أو شخصيات أمنية في تزييف بصمات الوجه، فقد تُخترق أنظمة التعرف البيومتري في المطارات أو المؤسسات الحساسة.
أمثلة واقعية:
- في عام 2021، أعلنت وكالة الشرطة الأوروبية يوروبول (Europol) أن هناك عصابات تستخدم صورًا مسروقة من الإنترنت لإنشاء جوازات سفر وهمية تُباع في السوق السوداء بأسعار باهظة.
- كما حذرت وزارة الأمن الداخلي الأمريكية من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي قادرة على خلق هويات كاملة مزيفة يمكن أن تستخدم في التجسس، التهريب، أو الاحتيال.
تحذير قوي:
نحن على أعتاب ثورة رقمية يندمج فيها الذكاء الاصطناعي مع الفوضى المعلوماتية، مما يُنذر بعصر يُمكن فيه إنتاج وثائق و مشاهد وهمية تدمّر مستقبل الأشخاص، تهز الحكومات، وتقلب المجتمعات رأسًا على عقب ,فكونوا يقظين ولا تسمحوا لأاحد أن يستدرجكم الى هذه الفوضى.
المحور الثالث: اختراق الخصوصية – دروس من قضية Clearview AI
يوضح تقرير نيويورك تايمز كيف أن شركة Clearview AI قامت بجمع صور الناس دون إذنهم من منصات مثل فيسبوك، تويتر، يوتيوب وإنستغرام، وطورت نظامًا متطورًا للتعرف على الوجه.
أبرز المخاوف التي أثارها التقرير:
- خرق غير مسبوق للخصوصية الفردية.
- تعاون الشركة مع أكثر من 600 جهة أمنية في العالم.
- استخدام تقنياتها في المراقبة والاستهداف السياسي.
- رفض شركة Clearview AI رفض علني طلب الشركات كبرى مثل فيسبوك وتويتر، التي طالبتها بحذف الصور.
المحور الرابع: تهديدات سيبرانية أخرى
- سرقة الهوية الرقمية: تُستخدم الصور لفتح حسابات وهمية أو الحصول على قروض باسمك.
- تخزين الصور في خوادم مجهولة: لا تُفصح معظم التطبيقات عن مكان تخزين الصور أو المدة التي تحتفظ فيها بتلك الصور.
- تحليل السمات البيومترية وبيعها: تُباع بيانات مثل العمر، العرق، الحالة النفسية لشركات تسويق أو جهات تجسس.
- البيع في الإنترنت المظلم: وثقت تقارير من Digital Shadows وPrivacy Affairs تسريب أكثر من 1.5 مليار صورة شخصية على الإنترنت المظلم، وبعضها قادم من تطبيقات تعديل الصور المجانية و المدفوعة الثمن.
المحور الخامس: الأثر النفسي والثقافي لتحويل الصور إلى كرتون
- تشوه صورة الذات: الاعتياد على رؤية نسخة كرتونية أو في الفلاتر تكون نسخة مثالية من نفسك قد يخلق فجوة نفسية بينك وبين صورتك الواقعية. وقد أكدت دراسة نشرت في مجلة Psychology Today في أذار 2023 مقال تحت عنوان The Hidden Danger of Online Beauty Filters حيث ذكر في المقال تأثير استخدام فلاتر التجميل على تقدير الذات، مشيرة إلى أن الاستخدام المتكرر للفلاتر الرقمية يعزز من مقارنة المستخدمين لصورهم المُعدلة بصورتهم الواقعية، مما يؤدي إلى تراجع الرضا عن المظهر الطبيعي وتزايد القلق النفسي، خصوصًا بين النساء والشباب. تؤكد المقالة أن التعرّض المستمر للصور المثالية عبر تطبيقات المرح قد يسبب اضطرابات في صورة الجسد وتقدير الذات..
- الهروب من الواقع: يُمكن أن يُعزز الهروب من الحياة الواقعية نحو فضاء افتراضي وهمي وهذا بحد ذاته يسبب الامراض النفسية والعزلة.
المحور السادس: كيف تحمي نفسك؟ – نصائح سيبرانية عملية
- لا تستخدم صورتك الحقيقية في تطبيقات الترفيه.
- راجع دائمًا سياسة الخصوصية لأي تطبيق.
- لا تمنح صلاحيات الكاميرا والمعرض لأي تطبيق كان إلا عند الضرورة.
- احذف التطبيق بعد الاستخدام إن لم يكن ضروريًا.
- استخدم جهازًا ثانويًا للتجربة إذا أردت تفادي المخاطر.
- استخدم أدوات مثل VPN، وخصوصية iOS/Android وتطبيقات خصوصية الصور مثل ObscuraCam
- تابع أخبار التطبيقات التي تستخدمها، فقد تُدرج على قوائم التطبيقات المنتهِكة للخصوصية.
الخاتمة:
وفي الختام أريد أن أكتب آخر نصيحة أن تحويل صورتك إلى كرتون قد يبدو مسلّياً، لكنه يحمل في طيّاته تهديدات معقّدة قد تدمّر سمعتك، تخترق جهازك، وتضع حياتك بأكملها في مهبّ الذكاء الاصطناعي الفوضوي. لا تقول أنا لست مهم لأن شركات التكنلوجية تكسب من معلومات الناس الغير مهمين ملايين الدولارات أن لم تكن مليارات.
احمِ نفسك، فالمستقبل لن يرحم الغافلين.
المصادر الأساسية لمقالي.
المصدر الأول
The New York Times (2020). The Secretive Company That Might End Privacy as We Know It. By Kashmir Hill
https://www.nytimes.com/2020/01/18/technology/clearview-privacy-facial-recognition.html
المصدر الثاني
.(25/3/2023) Psychology Today – The Hidden Danger of Online Beauty Filters
By Tara Well Ph.D