في الجزء الأول حول الحرب الإلكترونية، تناولت استراتيجيات التحكم والسيطرة في العصر الرقمي. في الجزء الثاني، سأركز على التهديدات التي تواجه أنظمة الملاحة العالمية، مثل GPS، والتي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية ومن العمليات العسكرية والتجارية..
تتعرض أنظمة الملاحة العالمية للعديد من التهديدات الإلكترونية، بما في ذلك التشويش الكهرومغناطيسي (EMI) وتقنيات الخداع (Spoofing). تلعب الحرب الإلكترونية دورًا كبيرًا في هذه التهديدات، حيث أصبحت أنظمة التشويش المحمولة وتقنيات الخداع أدوات فعالة في يد الخصوم لتعطيل وتعقيد عمليات الملاحة.
سنستعرض في هذا المقال كيفية تنفيذ التشويش على أنظمة GPS، والتقنيات والإجراءات المضادة التي يمكن استخدامها لحمايتها. كما سنتناول أهمية أنظمة GNSS المتعددة مثل GLONASS، BeiDou، وGalileo في تعزيز دقة واستمرارية خدمات الملاحة في الجزء الثالث من سلسلة المقالات التي تخص الحرب الأليكترونية، وكيف يمكن استخدامها كجزء من الاستراتيجيات الدفاعية في الحرب الإلكترونية.
من خلال هذا المقال، سأقدم للقارئ نظرة شاملة على الحرب الإلكترونية ضد أنظمة الملاحة العالمية، مع التركيز على التحديات التقنية والحلول الممكنة لتعزيز الأمان والدقة في مختلف التطبيقات.
تعريف التشويش.
التشويش هو عملية تعطيل أو تداخل مع إشارات الاتصالات اللاسلكية، بما في ذلك إشارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وأنظمة الملاحة العالمية الأخرى (GNSS). يتم ذلك باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات والأساليب.
الطرق الأساسية للتشويش على أنظمة الملاحة:
أولاً: التشويش الكهرومغناطيسي (EMI):
هو إحداث إشارة كهرومغناطيسية غير مرغوب فيها تتداخل مع الإشارات اللاسلكية المستقبلة. يتم ذلك عن طريق بث إشارة على نفس التردد أو نطاق التردد الذي تستخدمه الإشارة المستهدفة.
آلية العمل:
يتم توليد إشارات كهرومغناطيسية قوية على ترددات GPS أو GNSS بواسطة أجهزة التشويش. هذه الإشارات تقوم بتغليب إشارات الأقمار الصناعية الضعيفة، مما يجعل من الصعب أو المستحيل على جهاز الاستقبال تحديد الإشارات الصحيحة.
التطبيقات:
يستخدم التشويش الكهرومغناطيسي في البيئات العسكرية لتشويش اتصالات العدو، وكذلك في بعض الحالات المدنية لتعطيل الاتصالات اللاسلكية لأسباب أمنية.
ثانياً: تقنيات الخداع (Spoofing):
مفهوم الخداع:
يتضمن إرسال إشارات GPS مزيفة إلى جهاز الاستقبال، مما يجعله يعتقد أنه في موقع مختلف عن موقعه الفعلي.
آلية العمل:
يتم إرسال إشارات GPS مزيفة بتوقيتات ومواقع معدلة بحيث تكون أقوى من إشارات الأقمار الصناعية الحقيقية، مما يخدع جهاز الاستقبال ويجعله يعرض موقعًا خاطئًا.
التطبيقات:
يمكن استخدام الخداع في العمليات العسكرية لتحويل مسارات الطائرات أو المركبات، وكذلك في التطبيقات المدنية مثل سرقة الشاحنات أو تعطيل خدمات النقل الذكي.
ثالثاً: التشويش الطيف الكهرومغناطيسي (EMI):
التشويش الكهرومغناطيسي (EMI) هو نوع من التشويش يحدث عندما تتداخل الإشارات الكهرومغناطيسية غير المرغوب فيها مع الإشارات الكهربائية أو الإلكترونية المرغوب فيها. يمكن أن يأتي التشويش الكهرومغناطيسي من مصادر طبيعية (مثل العواصف الرعدية والشمس) أو من مصادر صناعية (مثل الأجهزة الإلكترونية والكهربائية).
أنواع التشويش الطيف الكهرومغناطيسي EMI:
أولاً: تشويش النطاق الضيق:
يحدث عندما يتم توليد إشارات كهرومغناطيسية على تردد محدد أو نطاق ضيق من الترددات. يمكن أن يكون مصدره أجهزة البث اللاسلكي أو الأجهزة الإلكترونية المعطوبة.
ثانياً: تشويش النطاق العريض:
يحدث عندما تنتشر إشارات التشويش عبر نطاق واسع من الترددات. يمكن أن يكون مصدره المعدات الكهربائية الكبيرة، مثل المحركات أو المولدات.
تأثيرات التشويش EMI:
تعطيل الاتصالات: يمكن أن يؤدي التشويش EMI إلى فقدان الإشارات أو تقليل جودتها، مما يؤثر على الاتصالات اللاسلكية.
التداخل مع الأنظمة الإلكترونية: يمكن أن يتسبب التشويش EMI في تعطيل الأجهزة الإلكترونية، مما يؤدي إلى أخطاء في الأداء أو تلف في المعدات.
الإجراءات المضادة لتقليل التشويش EMI:
التصفية والتشفير: استخدام مرشحات التردد لتقليل التشويش على نطاقات معينة وتشفير الإشارات لحمايتها من التشويش والخداع.
التدريع: استخدام التدريع الكهرومغناطيسي لتقليل تأثير التشويش EMI على الأجهزة الإلكترونية.
التخطيط الهندسي: تصميم الأنظمة الإلكترونية بطريقة تقلل من احتمال تعرضها للتشويش EMI، بما في ذلك فصل الكابلات وتجنب استخدام مكونات معرضة للتشويش.
في الختام، التشويش الكهرومغناطيسي (EMI) وتقنيات الخداع (Spoofing) تشكل تهديدات كبيرة لأنظمة الملاحة العالمية، مما يتطلب تطوير تقنيات وإجراءات مضادة فعالة لضمان استمرارية وأمان خدمات الملاحة في مختلف التطبيقات.
أمثلة على التشويش
التشويش على أنظمة GPS
التشويش على أنظمة GPS (نظام تحديد المواقع العالمي) هو أحد استراتيجيات الحرب الإلكترونية وهذه التقنية تستخدم لتعطيل أو إرباك إشارات الأقمار الصناعية الخاصة بـ GPS، مما يجعل من الصعب أو المستحيل على أجهزة الاستقبال تحديد موقعها بدقة. تقوم الولايات المتحدة، مثل العديد من الدول، بتطوير واستخدام تقنيات التشويش على GPS كجزء من استراتيجيات الحرب الإلكترونية.
كيف يتم التشويش على نظام GPS
كيف يتم التشويش الكهرومغناطيسي (EMI)؟
يتم إرسال إشارات راديوية قوية في نفس الترددات التي يستخدمها GPS (1.57542 جيجاهرتز لإشارة L1 و1.2276 جيجاهرتز لإشارة L2).يقوم جهاز التشويش بإغراق إشارات GPS الشرعية بالإشارات الكهرومغناطيسية القوية، مما يجعل استقبال إشارات الأقمار الصناعية أمرًا صعبًا أو مستحيلًا.
تقنيات الخداع (Spoofing):
تُرسل إشارات كاذبة تحاكي إشارات GPS، مما يؤدي إلى خداع أجهزة الاستقبال لتحديد مواقع غير دقيقة أو مواقع مزيفة.
يتطلب هذا النوع من التشويش معرفة دقيقة بكيفية عمل نظام GPS وامتلاك معدات متطورة.
أنظمة التشويش المحمولة:
يمكن استخدام أجهزة تشويش صغيرة ومحمولة لنشرها في مناطق محددة، مما يعطل إشارات GPS في تلك المناطق.
تستخدم هذه الأجهزة عادة في المواقف التكتيكية لتعطيل اتصالات العدو أو إرباك تنقلاته.
كيفية التخلص من التشويش على نظام GPS:
التقنيات والإجراءات المضادة:
استخدام أنظمة GPS متعددة:
يمكن استخدام أنظمة GNSS متعددة (مثل GLONASS، BeiDou، وGalileo) بالتزامن مع GPS لتقليل تأثير التشويش.
عند استخدام إشارات من أنظمة متعددة، يصبح من الصعب على أجهزة التشويش تعطيل جميع الإشارات.
تقنيات التصفية والتشفير:
يمكن تحسين مقاومة التشويش عن طريق استخدام تقنيات تصفية الإشارات المتقدمة، مثل تصفية الترددات والتصفية الزمنية.
استخدام الإشارات المشفرة (مثل M-code المستخدم في التطبيقات العسكرية) يمكن أن يجعل الخداع والتشويش أكثر صعوبة.
أنظمة التحديد الذاتي للتشويش:
تطوير واستخدام أجهزة استقبال GPS قادرة على اكتشاف إشارات التشويش وتفعيل إجراءات مضادة تلقائيًا.
يمكن لهذه الأجهزة تحويل الترددات أو استخدام تقنيات التصفية المتقدمة لتجنب التشويش.
التحكم في القوة والمسار:
يمكن للأقمار الصناعية زيادة قوة الإشارة أو تغيير مساراتها لتجنب مناطق التشويش.
يُمكن للمستقبلات على الأرض استخدام الهوائيات الموجهة أو الهوائيات المقاومة للتشويش لتحسين استقبال الإشارات.
الاعتماد على مصادر متعددة للملاحة:
استخدام أنظمة ملاحة بديلة مثل الأنظمة البصرية (كاميرات ومجسات بصرية) أو الأنظمة القصور الذاتية (IMU) لتوفير بيانات موثوقة عند تعطل GPS.يمكن دمج البيانات من هذه الأنظمة مع إشارات GPS المتاحة لتحسين دقة تحديد المواقع.
الخلاصة:
التشويش على أنظمة GPS هو تكتيك شائع في الحرب الإلكترونية، ويمكن أن يتم باستخدام تقنيات التشويش الكهرومغناطيسي أو الخداع. بالمقابل، هناك العديد من الإجراءات والتقنيات المضادة التي يمكن استخدامها للتغلب على التشويش، بما في ذلك استخدام أنظمة GPS متعددة، تقنيات التصفية والتشفير، أنظمة التحديد الذاتي للتشويش، والتحكم في القوة والمسار. من خلال الجمع بين هذه الاستراتيجيات، يمكن تقليل تأثير التشويش على أنظمة GPS وضمان دقة وموثوقية تحديد المواقع.