م. مصطفى كامل الشريف
باحث ومستشار في أمن المعلومات و السيادة الرقمية – الدنمارك / العراق–
المقدّمة
في كتابي إنترنت الأشياء و مستقبل العالم خصصت الفصل السابع لإنترنت الأشياء العسكري IoMT – Internet of Military Things – تطرقت بالتفصيل عن إنترنت الأشياء في المجال العسكري و في هذا المقال اليوم اريد تسليط الضوء على آخر ما توصل اليه إنترنت الأشياء العسكرية في الجيش الصيني أذ لم تعد الحرب اليوم تُدار من غرف العمليات وحدها في الصين، بل من داخل شبكات رقمية متشابكة تُغذيها البيانات وتتحكم بها الخوارزميات. في الصين اليوم، يمتزج الذكاء الاصطناعي بالسيادة العسكرية، تتكوّن ملامح جيل جديد من الحروب تُعرف باسم الحرب الذكية المؤتمتة Intelligentized Warfare . أي أن الأتمتة المفرطة أصبحت كسلاح سيادة رقمية
هذا الجيل لا يعتمد على الجندي وحده، بل على منظومة من الآلات المتصلة: دبابات بدون سائق، غواصات ذاتية التشغيل، روبوتات رشاش آلية، وطائرات هجومية تتبادل المعلومات كما تتبادل الخلايا العصبية الإشارات. مع مركز عمليات يديره الذكاء الأصطناعي.
العقل المحرّك لكل هذا هو ما يُسمّى بـ إنترنت الأشياء العسكري IoMT – النسخة السيادية الحربية لإنترنت الأشياء (IoT)، التي تجعل من كل قطعة معدنية في ساحة المعركة عقدة ذكية في شبكة قتالية موحّدة.
أولًا: من الأتمتة إلى الحرب الذكية المؤتمتة
- مفهوم الأتمتة المفرطة (Hyper-Automation)
الأتمتة المفرطة هي المرحلة التي تتجاوز الأتمتة التقليدية إلى دمج تقنيات متعددة مثل:
الذكاء الاصطناعي (AI)، التعلّم الآلي (ML)، الرؤية الحاسوبية (CV)، التحليلات التنبؤية، الروبوتات، وسير العمل المؤتمت (RPA)، بحيث تصبح دورة العمل ذاتية التشغيل بالكامل دون تدخل بشري مستمر.
أما في المجال العسكري، تعني:
- أتمتة الاستشعار والتحليل واتخاذ القرار والتنفيذ الميداني.
- أي منظومة Kill Chain متكاملة تعمل من الاكتشاف إلى الإطلاق إلى التقييم بشكل شبه ذاتي.
- الحرب الذكية المؤتمتة (Intelligentized Warfare)
الصين تُعرّف هذا المفهوم بأنه:
المرحلة العليا من تطوّر الحرب المعلوماتية، حيث يصبح الذكاء الاصطناعي هو مركز الثقل العملياتي، ويُدمج في كل مستويات القيادة والسيطرة C4ISR ، لتتحول أنظمة القتال إلى كيانات ذات إدراك واتخاذ قرار ذاتي .
بمعنى آخر:
- ليست مجرد أتمتة للأوامر، بل تحويل الحرب نفسها إلى كيان ذكي.
- كل جندي آلي أو طائرة أو روبوت أو غواصة يصبح عقدة معرفية تتفاعل مع الأخرى في الوقت الحقيقي.
- القرارات التكتيكية تُتخذ اعتمادًا على التحليل اللحظي للبيانات (AI-Driven Command).
العلاقة بين الأتمتة المفرطة والحرب الذكية المؤتمتة
| المستوى | المفهوم | الدور |
| 1 | الأتمتة (Automation) | تنفيذ أوامر محددة بشكل آلي |
| 2 | الأتمتة المفرطة (Hyper-Automation) | دمج تقنيات متعددة لتشغيل أنظمة معقدة بدون إشراف بشري مباشر |
| 3 | الحرب الذكية المؤتمتة (Intelligentized Warfare) | نقل الذكاء نفسه إلى النظام، ليصدر قرارات استراتيجية/تكتيكية اعتمادًا على البيانات |
الحرب الذكية المؤتمتة = أتمتة مفرطة + إدراك معرفي + قرار ذاتي.
إنها ذروة الأتمتة العسكرية، حيث تتحول الشبكات القتالية إلى منظومة عصبية صناعية متكاملة.
ثانيًا: تصنيف الأسلحة غير المأهولة الصينية
| الفئة | المثال | الوصف |
| البرية (UGV) | الروبوت القتالي “Sharp Claw” و”Super-Light Tank” | دبابات روبوتية يمكن تشغيلها عن بعد أو بذكاء ذاتي |
| الجوية (UAV) | Wing Loong, CH-5, WZ-8 | طائرات مسيّرة هجومية أو استطلاعية |
| البحرية (USV/UUV) | “JARI-USV” و”HSU-001″ | سفن وغواصات روبوتية قادرة على الدوريات أو الهجوم الذاتي |
| أنظمة القيادة والسيطرة | C4ISR المدعومة بالذكاء الأصطناعي | تدمج بيانات الاستشعار والمواقع والاتصالات ضمن نظام وطني موحد |
أولاً: الفئة البرية — الروبوتات القتالية (UGV)
المثال : الروبوت القتالي Sharp Claw

Sharp Claw 1
Wing Loong, CH-5, WZ-8
الوصف:
الروبوتات القتالية الأرضية (Unmanned Ground Vehicles – UGVs) هي منصّات برية محمولة على هيكل مجنزَر أو عجلات، مزوَّدة بأجهزة استشعار، أنظمة اتصالات، ووحدات تنفيذ (أسلحة أو أدوات دعم). تُشغَّل عن بُعد من قِبَل طاقم بشري أو تعمل بدرجات متفاوتة من الاستقلالية (semi-autonomous → autonomous) بالاعتماد على خوارزميات الذكاء الأصطناعي. أمثلة تجارية/معلنة تشمل NORINCO Sharp Claw،
القدرات التشغيليّة النموذجية:
- استطلاع ومراقبة: كاميرات EO/IR، رادارات صغيرة، أجهزة SIGINT/ELINT خفيفة؛ تغذية فيديو وزمن-حقيقي إلى مركز القيادة.
- قدرة حركية: عبور تضاريسٍ وعرة، صعود منحدرات، عبور حواجز، سرعة تكتيكية على الطرق الوعِرة.
- قدرة نيران: حامل منظومة رشاش/مدفع صغير أو حِمل صاروخي خفيف، منظومات أسلحة قابلة للتبديل حسب المهمة.
- وظائف دعم: إبطال العبوات، نقل معدات لوجستية، سحب جرحى، مهام هندسية خفيفة.
- تشغيل مختلط: تحكم عن بُعد (tele-operated)، تشغيل شبه مستقل مع قواعد اشتباك محكومة، أو تشغيل ذاتي محدود وفق خرائط مسبقة وذكاء على الحافة (edge AI).
المزايا التكتيكية:
- تقليل التعرض البشري في المهام عالية الخطورة.
- استمرار القدرة الاستطلاعية ليلاً ونهارًا وبظروف طقس صعبة.
- أداء مهام استكشافية/استطلاعية دون الحاجة لنشر قوة بشرية كبيرة.
- قابلية التكديس في أسراب (swarm) للمهام التعاونية على المدى المتوسط.
القيود والضعف:
- اعتماد على الاتصالات: انقطاع الرابط أو التشويش الإلكتروني قد يعطّل المهام أو يضع المنصة خارج السيطرة.
- هجمات التضليل والتسميم: البيانات والخرائط ونماذج ML عرضة لهجمات تسميم أو هجمات مضادة متخصصة (adversarial attacks).
- قدرات الحماية الذاتية المحدودة: هشاشة أمام أسلحة مضادة متطورة وتهديدات الIED بعنف مادي.
- قضايا لوجستية: متطلبات صيانة، شحن بطاريات/وقود، وقطع غيار ميدانية.
الاعتبارات التكتيكية والاستراتيجية:
- دمج UGVs في شبكات C4ISR يرفع كفاءتها، لكن يتطلب بنية اتصالات مؤمنة وسياسات قواعد اشتباك واضحة (Human-in-/on-the-Loop).
- استخدام UGVs كثقل تكتيكي يتطلب صيانة دورية لتجنُّب فقدان القدرات في زمن الأزمة.
- منصة تُعدّ “خاصة بالسيادة” يجب أن تعمل على بروتوكولات وسيطة داخلية (بدون الاعتماد على سحب تجارية أجنبية) لضمان سرية وموثوقية البيانات.
ثانياً: الفئة الجوية — الطائرات المسيّرة (UAV)

المثال : Wing Loong, CH-5, WZ-8 طائرة مسيّرة صينية من طراز Wing Loong — إحدى المنصات الجوية التابعة لشبكات IoMT الصينية، قادرة على تنفيذ مهام استطلاع وضربات دقيقة بإشراف ذكاء صناعي.
الوصف : طائرات مسيّرة هجومية أو استطلاعية
تُعدّ الطائرات غير المأهولة (Unmanned Aerial Vehicles – UAVs) الركيزة الأساسية في منظومات الحرب الذكية المؤتمتة، إذ تمثل “العين الطائرة” وذراع الضرب الذكي داخل شبكة القيادة والسيطرة.
المنصات الجوية مثل Wing Loong، CH-5 (Caihong-5)، وWZ-8 تُجسّد التقدّم الصيني في دمج الذكاء الاصطناعي، والتحليل اللحظي للبيانات، وأنظمة التوجيه الذاتي ضمن إطار إنترنت الأشياء العسكري (IoMT)..
الأمثلة البارزة:
| النموذج | النوع والاستخدام | أبرز الخصائص التقنية |
| Wing Loong I/II | طائرة MALE متعددة المهام | مدى > 4000 كم، تحكم عبر وصلة بيانات مؤمنة، قادرة على حمل صواريخ جو-أرض وقنابل موجهة بالليزر. |
| CH-5 (Caihong-5) | UCAV (طائرة قتالية مسيّرة) ثقيلة | حمولة حتى 1000 كغ، زمن تحليق حتى 60 ساعة، مجهّزة لأنظمة تصوير واستطلاع دقيقة. |
| WZ-8 | طائرة استطلاع عالية السرعة | تعمل من طائرات H-6 كمنصة إطلاق، سرعة فوق صوتية، مخصصة لجمع معلومات استخبارية استراتيجية. |
القدرات التشغيلية الأساسية:
- الاستطلاع والاستخبارات (ISR): جمع وتحليل بيانات الصور والفيديو والموجات تحت الحمراء، ونقلها لحظيًا إلى منظومات القيادة (C4ISR).
- الضربات الدقيقة: تنفيذ عمليات هجومية باستخدام ذخائر موجهة بدقة عالية ضد أهداف أرضية.
- التحليق الطويل والمدى البعيد: إمكانية البقاء في الجو لساعات طويلة لتغطية ساحات واسعة دون مخاطرة بالأطقم البشرية.
- التشغيل الشبكي: تتصل هذه الطائرات مباشرة بشبكات القيادة والسيطرة عبر الأقمار الأصطناعية أو وصـلات 5G عسكرية ضمن منظومة IoMT.
- الذكاء الأصطناعي والتحليل الفوري: استخدام خوارزميات AI للتعرّف على الأهداف، تصنيفها، وترتيب أولويات الاستهداف آليًا.
المزايا التكتيكية:
- تغطية مستمرة للميدان في جميع الظروف الجوية.
- قدرة على نقل البيانات إلى السحابة العسكرية لتغذية منظومة القيادة بالوقت الحقيقي.
- خفض التكلفة التشغيلية مقارنة بالطائرات المأهولة.
- إمكانية العمل في أسراب (Swarm UAVs) بتنسيق خوارزمي متبادل.
القيود والمخاطر:
- الاعتماد على الاتصالات: أي انقطاع في وصلة البيانات أو التشويش الكهرومغناطيسي قد يؤدي لفقدان السيطرة.
- احتمالية التضليل الرقمي: هجمات GPS Spoofing و Data Poisoning قد تغيّر مسارها أو تغريها بأهداف وهمية.
- تحديات السيادة التقنية: استخدام مكونات أو برمجيات أجنبية قد يعرّض النظام لاختراقات أو تسريبات.
الاعتبارات السيادية:
- الصين تسعى لجعل منظومات UAV كلها جزءًا من شبكتها الوطنية للاتصالات والقيادة — تُدار عبر BeiDou (بديل GPS) وبنية C4ISR سيادية بالكامل.
- كل طائرة تُعدّ عقدة ذكية داخل شبكة IoMT، تنقل بياناتها لحظيًا إلى Military AI Cloud لتحليلها وربطها بالمجسات الأرضية والبحرية.
ثالثاً: الفئة البحرية — السفن والغواصات الروبوتية (USV / UUV)
المثال “JARI-USV” و”HSU-001“

الوصف :سفن وغواصات روبوتية قادرة على الدوريات أو الهجوم الذاتي
الوصف :
المنصّات البحرية غير المأهولة تنقسم إلى: سفن سطحية غير مأهولة (USV – Unmanned Surface Vehicles) وغواصات/أجهزة تحت-مائية غير مأهولة (UUV – Unmanned Underwater Vehicles). هذه المنصات تقوم بدور التحريّ المستمر، الدوريات الساحلية، مراقبة الممرّات البحرية، دعم مهام الحرب المضادة للغواصات (ASW)، وأحيانًا تنفيذ مهام ضربة محدودة أو نقل أجهزة استكشاف/عبوات متفجرة. ضمن منظومة IoMT البحريّة تصبح كل USV/UUV عقدة متصلة تنقل قياسات ومعلومات تنسجم مع C4ISR والسحابة العسكرية.
أمثلة بارزة (نماذج وتعريفات):
- JARI-USV (نماذج يابانية/صينية طرازية أو تجريبية تُعرض ضمن معارض التقنية البحرية) — سفن سطحية روبوتية لمهام الدوريات والمراقبة.
- HSU-001 / نماذج UUV مماثلة — منصّات تحت-مائية قادرة على الاستطلاع، جمع بيانات سونار، أو مهام بحوث/هجوم محدودة حسب التعديل.
- أمثلة تجارية/تحليلية مشابهة عالمياً: REMUS (Hydroid/Kongsberg)، SeaFox (طرازات مضادة للألغام)، وأنظمة USV عرضية في معارض NavalTech.
القدرات التشغيلية الأساسية:
- دوريات مستمرة: قُدرة على إتمام مهمات دورية طويلة المدى دون تعريض طاقم بشري.
- جمع بيانات بحريّة متنوعّة: سونار جانبي، رادارات سطحية، كاميرات EO/IR، حساسات كيميائية ومغناطيسية.
- مهام الحرب المضادة للغواصات (ASW) ومكافحة الألغام: استكشاف قاع البحر، كشف لغم، توجيه منصة أكبر أو أخذ إجراءات محلية تلقائية.
- تنسيق شبكي: إرسال بيانات في الوقت الحقيقي أو شبه اللحظي إلى وحدات السطح/قاعدة القيادة عبر SATCOM أو وصلات راديوية تكتيكية.
- تشغيل شبه مستقل أو ذاتي: قدرة على تنفيذ مسارات مسبقة ومناورات تجنّب عقبات، مع إمكانيات “human-on-the-loop” لاتخاذ القرار النهائي.
المزايا التكتيكية والاستراتيجية:
- خفض المخاطر البشرية في مهام خطرة (كإبطال الألغام والبحث في مناطق معادية).
- توسيع رقابة المسطّح المائي والعمق البحري بتكلفة ومرونة أكبر من السفن التقليدية.
- قدرات كشف مبكّر وتحليل بيئي تكتيكي يدعم توجيه البحرية المأهولة.
- قابلية التشغيل المتوازي (سرب USV / مجموعة UUV) لتغطية مساحة أكبر وتوزيع المهام.
القيود والضعف:
- مشكلات الاتصالات: اللاصقة بين منصة وقيادتها تواجه قيود المدى، زمن الاستجابة، أو التشويش/حجب الأقمار الأصطناعية.
- العمل تحت الماء صعب الاختبار: البيئات المائية معقدة (تيارات، ملوحة، حرارت)، ما يزيد احتمال فشل المستشعرات أو فقدان الاتصال.
- التهديدات المادية: السفن المعادية أو غواصات مُجهزة وأنظمة اعتراض يمكن إحداث أضرار مادية أو الاستيلاء على منصة غير مشفّرة.
- التحديات القانونية والبحرية: قواعد الاشتباك، سيادة المياه الإقليمية، وقواعد القانون البحري تقيد استخدام أسلحة أو أدوات هجومية على USV/UUV في بعض السياقات.
اعتبارات السيادة والأمن:
- للحفاظ على سرّية العمليات وموثوقية البيانات ينبغي أن تعمل USV/UUV ضمن بنية اتصالات وسياسات وطنية (تشفير قوي، مسارات بديلة، ونُهج لتأمين سلاسل النماذج).
- الاعتماد على أنظمة تحديد المواقع الأجنبية دون بدائل (مثل BeiDou مقابل GPS) قد يقلّل من مرونة واستقلال القرار الوطني في زمن الأزمة.
- المنصّات البحرية تمثّل قيمة استخبارية عالية — فقدان منصة أو تسريب بياناتها قد يكشف عن خطط دورية ومسارات بحرية حسّاسة.
رابعًا: أنظمة القيادة والسيطرة C4ISR المدعومة بالذكاء الأصطناعي — الدماغ السيادي لشبكة الحرب الذكية.

تُشكّل أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والحوسبة والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع – (C4ISR)
Command, Control, Communications, Computers, Intelligence, Surveillance, and Reconnaissance-(C4ISR)
المدعومة بالذكاء الأصطناعي العقل العصبي المركزي لمنظومة إنترنت الأشياء العسكري (IoMT)، فهي الإطار الذي يربط بين كل المنصّات البرية والجوية والبحرية في شبكة عمليات موحدة تتدفق عبرها البيانات لحظة بلحظة.
يقوم هذا النظام بدمج المعلومات القادمة من أجهزة الاستشعار المتوزعة في الميدان — من الروبوتات القتالية على الأرض، والطائرات المسيّرة في الجو، والسفن والغواصات غير المأهولة في البحر — ضمن منصة سيادية موحدة تجمع بيانات المواقع، الاتصالات، الفيديو، الرادارات، والتحليلات البيئية في لوحة تكتيكية واحدة تُحدّث ذاتيًا بالذكاء الأصطناعي.
من خلال خوارزميات التحليل التنبّئي والتعرّف الآلي على الأنماط، يُحوّل النظام الكمّ الهائل من البيانات الخام إلى معلومات استخبارية قابلة للتنفيذ (Actionable Intelligence) تُعرض على القادة في مراكز القرار السيادية. وبهذا يصبح اتخاذ القرار العسكري أكثر سرعة ودقّة، ويقلّ الاعتماد على التحليل اليدوي أو الإشراف البشري المباشر.
تتيح هذه المنظومة — في نسختها السيادية الصينية — قدرات متقدمة مثل:
- دمج بيانات الاستشعار (Sensor Fusion) من كل أفرع القوات.
- تحليل المواقع والاتصالات الجغرافية (Geo-Intelligence) وربطها مع قواعد بيانات مركزية.
- توجيه الأنظمة الذكية في الميدان عبر شبكات عسكرية خاصة أو أقمار صناعية وطنية مثل منظومة BeiDou.
- بناء “سحابة عسكرية ذكية (Military AI Cloud)” تعمل كمركز قرار وتحليل استراتيجي.
وعلى المستوى التشغيلي، يُعدّ نظام C4ISR المدعوم بالذكاء الأصطناعي بمثابة الدماغ السيادي لشبكة الحرب الذكية؛ فهو الذي ينسّق حركة المنصّات غير المأهولة، يُصدر الأوامر التكتيكية، يكتشف التهديدات المحتملة قبل وقوعها، ويُوجّه وحدات الهجوم أو الدفاع في الزمن الحقيقي، ضمن بيئة عمليات مؤمنة ومغلقة.
بهذا الشكل، يتحول الجيش من كيان منفصل الأذرع إلى شبكة عصبية رقمية تتحرك كوحدة واحدة؛ الجندي الآلي، الطائرة المسيّرة، والغواصة الذكية جميعها تعمل تحت إشراف منظومة ذكاء مركزي تمتلك إدراكًا ميدانيًا لحظيًا وقدرة على اتخاذ القرار دون انتظار التوجيه التقليدي البشري الكامل.
وهكذا تصبح C4ISR + AI ليست مجرد بنية قيادة، بل نظام سيادة رقمية يربط بين القوة والبيانات، بين الميدان والقرار، ويجعل السيطرة على “المعلومة” مساوية للسيطرة على “المعركة”.
تُعتبر منظومة القيادة والسيطرة C4ISR المدعومة بالذكاء الأصطناعي بمثابة هي الامتداد السيبراني والتقني الحديث لمفهوم قيادة العمليات المشتركة في الحروب التقليدية، ولكنها تتفوّق عليها بدمج الذكاء الأصطناعي، والتحكم الشبكي، والتحليل اللحظي للبيانات من كل الفروع العسكرية.

البنية المعمارية لأنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات والحوسبة والاستخبارات داخل بيئة عمليات متكاملة.
كل هذه المنظومات تعمل على اتصال مستمر مع مراكز القيادة عبر:
- شبكات 5Gعسكرية خاصة أو أقمار صناعية.
- بروتوكولات اتصالات سيادية بديلة عن الإنترنت العام.
- أنظمة تحكم مؤتمتة تعتمد على الذكاء الأصطناعي والتحليل الميداني.
ثالثًا: إنترنت الأشياء العسكري (IoMT) مقابل المدني (IoT)
إنترنت الأشياء (IoT) هو شبكة من الأجهزة المتصلة ببعضها تتبادل البيانات باستمرار.
أما IoMT العسكري فهو الامتداد السيادي لهذه الشبكة داخل بيئة المعركة.
| المقارنة | IoT المدني | IoMT العسكري |
| البيئة التشغيلية | شبكات عامة أو تجارية | شبكات عسكرية مؤمنة ومعزولة |
| نوع البيانات | استهلاكية (حرارة، طاقة) | تكتيكية (موقع، هدف، سلاح) |
| بروتوكولات الاتصال | Wi-Fi، MQTT، HTTP | BeiDou، SATCOM، Link-16 |
| مستوى الذكاء | محدود | تكيفي وتحكم ذاتي |
| المخاطر | خصوصية الأفراد | سيادة الدولة وأمن المعركة |
الأجهزة المتصلة ضمن منظومة القيادة والتحكم تُعدّ فعليًا جزءًا من إنترنت الأشياء العسكري،
بينما الأنظمة المستقلة كليًا تُصنّف أسلحة ذكاء اصطناعي مستقلة (AI Weapon Systems).
رابعًا: الصين والجيل الجديد من الحرب الذكية
تبني الصين منظومة متكاملة تحت عنوان:
Intelligentized Warfare – الحرب المؤتمتة بالذكاء الأصطناعي
وهي الجيل الذي يلي مرحلة الحرب المعلوماتية.
وتشمل:
1. Internet of Battlefield Things (IoBT) – شبكة ميدانية شاملة لكل أجهزة القتال
تمثّل إنترنت الأشياء الميدانية (IoBT) الامتداد العملي لمنظومة C4ISR داخل ساحة العمليات، حيث تُربط كل المنصات الميدانية — سواء كانت آليات، طائرات مسيّرة، أجهزة استشعار، أو جنود مزوّدين بمعدات ذكية — ضمن شبكة اتصال موحدة عالية الأمان.
تتيح هذه الشبكة تدفق البيانات من الميدان إلى القيادة في الزمن الحقيقي، مما يوفّر وعيًا ميدانيًا شاملاً (Situational Awareness) ويسمح بإصدار قرارات تكتيكية دقيقة بناءً على بيانات آنية.
تُعدّ IoBT الركيزة الميدانية التي تربط الذكاء الأصطناعي بالواقع العملياتي، وتحوّل ساحة المعركة إلى بيئة شبكية متكاملة.
2. Military AI Cloud – سحابة القيادة والتحكم الذكية
تُعتبر السحابة العسكرية الذكية القلب المعرفي لمنظومة الحرب المؤتمتة، إذ تجمع وتخزّن وتحلل البيانات القادمة من جميع الوحدات الميدانية عبر IoBT وC4ISR.
تعتمد هذه السحابة على خوارزميات الذكاء الأصطناعي والتعلّم الآلي (AI / ML) لتصفية البيانات الضخمة، واستخلاص الأنماط، والتنبؤ بالتهديدات، ثم إصدار توصيات أو أوامر آلية للقادة الميدانيين والمنصات الروبوتية.
هي باختصار العقل الرقمي الموحد الذي يربط الميدان بالقيادة العليا، ويحوّل القيادة من نظام تفاعلي إلى نظام استباقي قائم على التحليل التنبّئي.
3. Swarm Warfare Systems – أسراب روبوتية مترابطة تتصرّف ككيان واحد
تمثّل أنظمة الحرب الأسرابية (Swarm Warfare) الجيل الأكثر تقدّمًا من التشغيل الذاتي للمنصات القتالية.
تعتمد هذه الأنظمة على مبادئ الذكاء الجماعي (Collective Intelligence) بحيث تتواصل مئات الطائرات أو الدبابات أو الروبوتات معًا دون تحكم مركزي مباشر، لتتعاون في مهام هجومية أو دفاعية وفق خوارزميات تنسيق ذاتي.
هذا النمط من القتال يحاكي السلوك الحيوي في الطبيعة (مثل أسراب النحل أو الطيور)، لكنه مبرمج تكتيكيًا لتنفيذ مهام عسكرية — من الاستطلاع الجماعي إلى الإغراق الدفاعي وتشتيت الأنظمة المعادية.
إنها صورة “الميدان الذكي المستقل” الذي يتحرك وفق منطق خوارزمي مشترك، يمثل ذروة الأتمتة الميدانية في الحرب الذكية المؤتمتة.
هذه المنظومات تمثل النسخة العسكرية المتقدمة من IoT، مدمجة مع الذكاء الأصطناعي والحوسبة الطرفية ودمج البيانات.
خامسًا: الحرب الذكية المؤتمتة كأتمتة مفرطة ذات سيادة
تتعامل الصين مع هذا التحول بوصفه مشروع سيادة رقمية عسكرية، لأن:
- البيانات تُجمع وتُحلَّل داخل البنية الوطنية (سيادة البيانات).
- نماذج الذكاء الأصطناعي تُدرَّب محليًا دون اعتماد على منصات أمريكية.
- شبكات الاتصال تستخدم المنظومات السيادية مثل BeiDou وTianlian و5G العسكري.
بذلك أصبحت الأتمتة المفرطة الصينية أداة للسيادة والاستقلال الاستراتيجي، وليست مجرد تطور تقني.
سادسًا: أمثلة عملية على التحول من الأتمتة إلى الذكاء المؤتمت
| المجال | الأتمتة التقليدية | الحرب الذكية المؤتمتة |
| الدفاع الجوي | أنظمة SAM تُطلق بأوامر بشرية أو استشعار بسيط | منظومات تحدد هوية الهدف وأولوية التهديد وتُطلق ذاتيًا |
| الطيران | طائرات مسيّرة بطيار عن بُعد | أسراب درونات بتعاون جماعي (Swarm Intelligence) |
| البر | روبوت قتالي بأوامر مركزية | روبوتات ذات وعي بيئي تتخذ قرارات التموضع والإطلاق |
| القيادة | مراكز بشرية تتلقى التقارير | سحابة AI Cloud تصدر توصيات آلية للقيادات البشرية |
سابعًا: التحديات والمخاطر
رغم التطور الكبير، تواجه “الأتمتة المفرطة العسكرية” تحديات حرجة:
- مسؤولية القرار الأخلاقي: من يتحمل نتائج الإطلاق الخاطئ؟
- التضليل الرقمي (Data Poisoning): يمكن تسميم البيانات وخداع الأنظمة الذكية.
- تضارب القرار بين الإنسان والآلة: من يملك الكلمة الأخيرة؟
ولذلك تعتمد الصين والولايات المتحدة وروسيا آليات Human-in-the-Loop أو Human-on-the-Loop لضمان رقابة بشرية محدودة داخل الدائرة الذكية.
ثامنًا: الخلاصة التحليلية
- الأسلحة غير المأهولة الصينية ليست IoT مدنيًا، لكنها تعتمد بنية عسكرية متقدمة (IoMT/IoBT).
- الحرب الذكية المؤتمتة تمثل المرحلة العليا من الأتمتة المفرطة، حيث لا تُؤتمت الأوامر فقط، بل الإدراك والقرار ذاته.
- الأتمتة تصف كيف تعمل الأنظمة، أما الحرب الذكية المؤتمتة فتصف كيف تفكر الأنظمة وتتطور ذاتيًا.
الخاتمة: العالم يتجه نحوعصرالذكاء المسلّح
العالم يدخل حقبة جديدة تُستبدل فيها شبكات التواصل الاجتماعي بشبكات القتال الذكي.
وإذا كانت البيانات هي النفط الجديد، فإن الذكاء الأصطناعي هو سلاح تكريرها، وإنترنت الأشياء العسكري (IoMT) هو أنبوب نقلها إلى ميدان الحرب.
الصين اليوم لا تبيع روبوتات أو درونات فحسب، بل نموذج حرب متكامل، حيث يصبح كل جندي وكل آلة وكل بايت من البيانات جزءًا من منظومة سيادة رقمية عسكرية لا تقل خطورة عن النووي أو الفضاء.
من يملك شبكة الحرب الذكية… يملك المستقبل.
المصادر
- الجيش الصيني PLA Daily –و China Military Online (2023–2025): تقارير حول الذكاء الأصطناعي في الحرب الذكية الصينية.
- مؤسسة RAND الأمريكية (2022): إنترنت الأشياء العسكري وآثاره على حروب المستقبل.
- وزارة الدفاع الأمريكية DoD (2023): برنامج أبحاث إنترنت الأشياء في ساحة المعركة IoBT.
- مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية CSIS (2024): رؤية الصين للحرب المؤتمتة والذكاء الأصطناعي العسكري.
- جامعة الدفاع الوطني الصينية (2023): دراسات نظرية في الحرب الذكية المؤتمتة.
- مؤسسة 2022 : RAND الأتمتة المفرطة في الدفاع – من البيانات إلى القرار.
- أوكسفورد أكادِمِك (2023): أخلاقيات الذكاء الأصطناعي العسكري والتعاون بين الإنسان والآلة.
- مركز JAIC الأمريكي (Project Maven 2023): تقارير الذكاء الخوارزمي في العمليات العسكرية.


