المقدمة.
في العقود الأخيرة، شهدت الحروب تطورًا هائلًا في أساليبها وأدواتها، مع دخول الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي لعمليات عسكرية تكنولوجية فائقة التطور. الكيان الغاصب، يعتبر كإحد القوى التقنية الرائدة، طور نظامًا يُعرف باسم “حسبورا”، الذي يُعد نقلة نوعية في استخدام التكنولوجيا للذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية. يعمل النظام على جمع وتحليل كميات هائلة من البيانات لتحديد أهداف دقيقة، لكنه أثار جدلاً عالميًا بسبب اتهامات بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان والقوانين الدولية.
بينما يُسوَّق لهذا النظام باعتباره وسيلة لتعزيز الكفاءة وتقليل الأخطاء البشرية، تشير تقارير دولية إلى أن هذه التقنية تُستخدم بشكل متكرر لاستهداف مناطق مكتظة بالسكان، مما يضعف الادعاءات بكونها وسيلة لخفض الأضرار الجانبية. فكيف يعمل نظام حسبورا؟ وما هي آثاره الأخلاقية والإنسانية في نزاعات مثل غزة ولبنان؟
التفاصيل الأساسية:
ما هو حسبورا؟
“حسبورا” هو نظام ذكاء اصطناعي طوره جيش الكيان الصهيوني يعتمد على تحليل البيانات الضخمة في الوقت الفعلي لتحديد الأهداف. اسمه باللغة العبرية يعني “الإنجيل”، ويرمز إلى تقديم “حقائق سريعة” لدعم القرارات العسكرية. تعمل هذه التقنية عبر معالجة بيانات من مصادر متعددة، مثل الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، والمراقبة الميدانية، واعتراض الاتصالات. وبعدها تقوم بإنتاج توصيات آلية لضرب الأهداف المحتملة، سواء أفراد، منشآت، أو مناطق معينة. ومن الممكن يقوم النظام بإنتاج توصيات آلية لضرب الأهداف المحتملة، سواء أفراد، منشآت، أو مناطق معينة. حيث أن هذا النظام وتقنيته يتيح لجيش الكيان تحديد 100 هدف يوميًا استنادًا إلى المنطق الاحتمالي وخوارزميات التعلم الآلي، مع تقدير مسبق للخسائر المتوقعة بين المدنيين.
مصادر البيانات المستخدمة:
- المراقبة الجوية: من خلال الطائرات بدون طيار والصور الحرارية.
- اعتراض الاتصالات: التنصت على المكالمات والرسائل. الصادرة والواردة من الهواتف الخليوية.
- تحليل الأنماط السلوكية: لتحديد أفراد معينين بناءً على حركتهم وأنشطتهم اليومية.
- بيانات الذكاء البشري: التي يتم دمجها مع تحليل النظام لتحسين دقة الأهداف.
الاستخدامات العسكرية:
الاستخدامات العسكرية للتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار (الدرونز) تتزايد في الصراعات المسلحة في مناطق مثل غزة ولبنان. هذه التقنيات تساعد على تحسين القدرات الاستخباراتية والتكتيكية للأطراف المتحاربة من خلال توفير معلومات دقيقة في الوقت الفعلي. فيما يلي توضيح لكيفية استخدامها في هذين السياقين:
في غزة:
تحديد مواقع القيادات والمقاتلين:
يستخدم الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار في غزة لرصد وتحديد مواقع قادة حركة حماس والمقاتلين في مناطق معينة. يتم استخدام تقنيات الاستشعار عن بُعد والذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات المجمعة من الطائرات المسيرة والمراقبة عبر الأقمار الصناعية. هذه التقنيات تسمح بتحديد الأهداف بدقة عالية بناءً على حركات الأفراد والأنماط المشبوهة.
استهداف المنازل والمنشآت:
هناك تقارير تفيد بأن النظام العسكري للكيان الغاصب، مثلًا، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد المنازل والمنشآت التي يُعتقد أنها تحتوي على أفراد مرتبطين بالمقاومة. يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الملتقطة من الطائرات المسيرة، والتي تساعد في استهداف الأهداف في المناطق السكنية بشكل دقيق، رغم وجود تحديات تتعلق بالمدنيين.
في لبنان:
رصد تحركات رجال الله الأبطال:
في لبنان، تُستخدم تقنيات المراقبة الحديثة، مثل الطائرات بدون طيار والتكنولوجيا المتقدمة لرصد تحركات رجال الحزب من خلال الطائرات المسيرة، التي يتم تزويدها بنظم متقدمة للذكاء الاصطناعي، تُستخدم في جمع المعلومات الاستخباراتية لرصد مواقع ومخابئ الحزب وتحركات مقاتليه. هذا يسمح للقوات العسكرية بالتخطيط لعمليات استباقية استنادًا إلى هذه المعلومات الدقيقة.
العمليات الاستباقية:
الذكاء الاصطناعي يساهم في تحسين التخطيط العسكري في لبنان عبر توفير تحليل سريع للمعلومات الاستخباراتية المتاحة، مما يسهل اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمليات العسكرية. تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات التي يتم جمعها من المراقبة المستمرة، مثل تحليل حركة المركبات أو الأشخاص في مناطق معينة.
توظيف الذكاء الاصطناعي في الصراعات:
الاستهداف الدقيق كما يدعون:
في كل من غزة ولبنان، يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين دقة الهجمات العسكرية، مما يقلل من الأضرار الجانبية المحتملة ويوفر القدرة على استهداف الأفراد أو المنشآت ذات الأهمية الإستراتيجية بدقة أكبر.
التحليل السريع للبيانات:
يُمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات الناتجة عن الأجهزة الاستخباراتية والطائرات المسيرة بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يساعد في تنفيذ عمليات عسكرية معقدة في وقت قصير.
التحديات والانتقادات:
أضرار مقصودة رغم أدعائهم الدقة:
هناك انتقادات تدور حول استخدام هذه التقنيات في الصراعات، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالاستهداف في المناطق السكنية المكتظة، حيث يمكن أن تؤدي الهجمات الدقيقة إلى سقوط ضحايا مدنيين بشكل مقصود.
تُظهر هذه التطبيقات كيف يمكن أن تلعب التقنيات العسكرية المتقدمة دورًا حاسمًا في الصراعات الإقليمية مثل تلك التي تحدث في غزة ولبنان، لكن في الوقت نفسه تثير قضايا أخلاقية وإنسانية حول تأثيرها على المدنيين والأضرار الجانبية.
الانتقادات الدولية:
اعتبرت تقارير أمميةأن الاعتبارات الأخلاقية المحيطة بهذه التطورات لا تزال نقطة خلاف، لأن الاعتماد المتزايد على أنظمة استهداف الذكاء الاصطناعي يمكن أن يؤدي إلى تجريد مستخدميه من إنسانيتهم وتوسيع الفجوة بين واقع الحرب والغايات التي يتم شنها من أجلها. وأوضح أن التطور السريع للتكنولوجيا المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، وخاصة في مجال التعلم الآلي، يؤدي إلى تسريع وتيرة الحرب بشكل كبير، ليشكل تحولا جوهريا في الفهم التقليدي للردع العسكري، مما يتحدى حلقة “المراقبة والتوجيه واتخاذ القرار والتصرف” التقليدية. ونوه التقرير إلى أنه مع قدرة الذكاء الاصطناعي على معالجة كميات هائلة من البيانات بسرعات تتجاوز الإدراك البشري، فإن المداولات الأخلاقية في عملية صنع القرار قد تواجه قيودا في هذه الدورة السريعة التي تركز على البيانات والتي تعمل من مسافة آمنة بعيدا عن ساحة المعركة.
ويمكن وصف هذه التقنية أنها.
- مصنع للاغتيالات: يعتمد على الكمية وليس الجودة كما يدعون، ما يؤدي إلى استهداف مدنيين بشكل مقصود وبدون أكتراث.
- أستهداف متعمد للمدنيين حيث: تسبب في دمار واسع النطاق لمنازل ومناطق مكتظة بالسكان، ما يُعد انتهاكًا للقوانين الدولية.
- قلة التدقيق البشري: تُنفذ الهجمات بناءً على توصيات آلية دون تحقيق كافٍ في مدى دقة الهدف.
النقاط الأخلاقية:
استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب يفتح نقاشًا عالميًا حول دور التكنولوجيا في القرارات المميتة وأتخاذ قرارات الأعدام الميداني بدون تدخل البشر.
السؤال الجدلي الذي يبقى بدون أجابه هل يمكن الوثوق في الخوارزميات لاتخاذ قرارات متعلقة بحياة البشر؟
لكن لازالت هذه التقنية تثير تساؤلات حول التوازن بين الابتكار العسكري وحقوق الإنسان.
خاتمة:
يُظهر نظام حسبورا مدى تقدم التكنولوجيا في الحروب، لكنه يعكس أيضًا تحديات أخلاقية وإنسانية كبرى. في ظل تزايد الاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في الصراعات، يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لهذه التقنيات أن تُستخدم بطريقة تُحقق التوازن بين حماية الأمن وتقليل المعاناة الإنسانية؟
المصادر
Euronews
Euronews Arabic
https://www.eremnews.com
المهندس مصطفى كامل الشريف
مستشار في أمن المعلومات والشبكات