مقال بقلم: مصطفى كامل الشريف
لم يعد الهاتف المحمول مجرد وسيلة للتواصل، بل تحول إلى تهديد فعلي قد يتحول في أي لحظة إلى قنبلة موقوتة ضدنا، بفضل التطورات المتسارعة في تقنيات الهجمات السيبرانية. بعد الهجوم السيبراني الأخير الذي استهدف لبنان في 17/9/2024، والذي أوقع 2750 إصابة، منها ما يزيد عن 200 حالة حرجة، و 8 شهداء لحد كتابة هذا المقال , بدأت الأسئلة تتزايد حول مدى الأمان الذي توفره التكنولوجيا التي نستخدمها يوميًا، بل وكيف يمكن استخدامها ضدنا.
الهجمات السيبرانية: نقل التكنولوجيا إلى مستوى جديد من الخطر
الهجوم الأخير لم يستهدف البنية التحتية الحيوية أو المواقع العسكرية كما هو متوقع في الحروب السيبرانية المعتادة، بل استهدف الأجهزة الشخصية مثل أجهزة البيجر، التي لا تعتمد على بطاقات SIM ولا الإنترنت. ورغم هذه المزايا الأمنية، استطاع المهاجمون تفجيرها، مما يفتح الباب أمام احتمالات أكبر بشأن الهواتف النقالة التي نستخدمها اليوم.
الهواتف الذكية في مرمى الخطر.
تتميز معظم الهواتف الذكية الحديثة بأنها تعتمد على بطاريات الليثيوم، وهي قابلة للاشتعال والانفجار عند تعرضها لظروف غير طبيعية، مثل زيادة درجة الحرارة بشكل مفاجئ. مع التقدم التكنولوجي، أصبح من الممكن استغلال هذه النقطة الضعيفة عبر اختراقات سيبرانية دقيقة تستهدف رفع حرارة البطارية إلى مستويات خطيرة، مما يؤدي إلى انفجارها.
على عكس البيجر، فإن الهواتف الذكية تعتمد على العديد من التقنيات التي تجعلها أكثر عرضة للاختراق. بطاقات SIM والاتصال بالإنترنت تجعل هذه الأجهزة هدفًا سهلاً للمخترقين الذين يمكنهم الوصول إلى أنظمة التشغيل والتحكم في خصائص الجهاز، بما في ذلك البطارية.
بيئات أكثر تعقيدًا.. تهديد أكبر.
تمتاز أجهزة البيجر بتصميمها البسيط والمعتمد على شبكات لاسلكية مشفرة، مما يجعل عملية اختراقها أكثر تعقيدًا. ومع ذلك، استطاع المهاجمون تنفيذ الهجوم بنجاح، مما يطرح تساؤلاً: إذا كانت هذه الأجهزة البسيطة قد تعرضت للهجوم، فما الذي يمكن أن يحدث لأجهزة أكثر تعقيدًا مثل الهواتف الذكية؟
التحذير للمسؤولين الأمنيين والسياسيين.
مع تزايد المخاطر السيبرانية، على رجال الدولة وقيادات الأجهزة الأمنية والسياسية إعادة النظر في استخدام الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي. هذه الأجهزة ليست مجرد أدوات شخصية، بل قد تكون نقطة ضعف يستغلها العدو لضرب الأهداف الشخصية أو التنظيمية. يجب تبني إجراءات أمنية مشددة، مثل استخدام أجهزة أكثر أمانًا وإعادة النظر في استراتيجيات الاتصال والتواصل.
الرد على رواية التي تشير إلى أن متفجرات زُرعت مسبقًا في أجهزة مثل Pagers
حسب رأي كمهندس أليكترونيك و تكنلوجيا المعلومات أعتقد أن الرواية التي تشير إلى أن متفجرات زُرعت مسبقًا في أجهزة مثل pagers خلال عملية أعتراض الشحنة بعد أن أرسلتها الشركة المصنعة وزرعت بالأجهزة، وتفعيلها لاحقًا لتنفجر، تبدو غير واقعية وضعيفة لعدة أسباب:
التقنية والأجهزة: أجهزة pagers هي أدوات اتصال بسيطة، وظيفتها الأساسية هي استقبال الرسائل النصية القصيرة، ولا تحتوي على البنية اللازمة أو القدرة على تشغيل متفجرات أو تحمل مثل هذه الحمولة المعقدة.
محدودية المساحة والطاقة: أجهزة pagers صغيرة الحجم، والمساحة الداخلية فيها بالكاد تكفي للأجزاء الإلكترونية اللازمة للتشغيل، مما يجعل زرع متفجرات أو حتى بطاريات قوية لتفعيلها لاحقًا أمرًا صعبًا جدًا.
التوقيت والتفعيل: حتى لو تم زرع متفجرات صغيرة، تفعيلها في وقت لاحق يتطلب تقنية دقيقة للتحكم عن بعد أو جهاز زمني، وهو أمر يتطلب طاقة مستمرة ونظام معقد، مما يجعل الفكرة غير عملية في أجهزة بهذه البساطة.
سلسلة التوريد: من الناحية الأمنية، معظم سلاسل التوريد للشركات الكبرى تُخضع المنتجات لعمليات فحص دقيقة عند التصنيع والشحن، لذا إدخال متفجرات أو التلاعب بالأجهزة على نطاق واسع سيكون أمرًا مكشوفًا بسهولة.
في النهاية، الرواية قد تكون أقرب إلى الخيال أو مؤامرة ضعيفة، نظرًا لأن التكنولوجيا والظروف المحيطة لا تدعم مثل هذا السيناريو.
وجهة نظري الشخصية كخبير بأمن المعلومات.
الأمر ليس فقط أختراق سيبراني بل هناك أختراق أستخباراتي في البداية وهو الأخطر من وجهة نظري. حيث أن الأختراق الأستخباري جعل من العدو معرفة أي جهاز وتكنلوجيا ممكن يستخدمونه قيادة الحزب و أبنائهم مما فتح لهم باب التخطيط لهذا الهجوم السيبراني الدقيق و المعقد بعد أن حصلوا على الجهاز وتم تحليل تكنلوجيا الجهاز المستخدمة ورسم خطة الأختراق.
التوصيات
في مقال سابق لي بعنوان “توصيات سيبرانية للحفاظ على خصوصية معلوماتك“، قدمت نصائح حول كيفية حماية البيانات الشخصية والابتعاد عن الاختراقات. يجب على الجميع، من الأفراد إلى المسؤولين، أن يدركوا أن التكنولوجيا التي نستخدمها ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل قد تكون سلاحًا يمكن توجيهه ضدنا في أي لحظة.
الخاتمة
الهجوم السيبراني الذي استهدف لبنان يعد مثالًا حيًا على التهديدات المتزايدة التي تواجهها المجتمعات في عصر التكنولوجيا. يجب أن نتعامل مع أجهزتنا الذكية بحذر أكبر، وأن ندرك أن كل جهاز نستخدمه قد يكون سلاحًا موجهًا ضدنا في الحرب السيبرانية المستمرة.
(رحم الله الشهداء و دعواتنا بالشفاء العاجل لكل المصابين حفظ الله لبنان و شعب لبنان)